يمثّل وضع الإعلام التونسي في ظلّ مرحلة التدابير الاستثنائية التي تمرّ بها تونس منذ منعرج 25 جويلية 2021 مبحثا هاما جديرا بالتمحيص والتفكير لا فقط في الجانب المتعلق بالحريّات الصحفيّة بل أيضا في علاقة بمستقبل القطاع ككلّ من منظور قانوني ومهني وفكري ومجتمعي . فعلى امتداد العشرية الماضية ، اتّسم المشهد الإعلامي التونسي بتعثّر في مسار الإصلاح نتيجة غياب أي سياسة عموميّة واضحة تدفع في هذا الاتجاه، وذلك على الرغم ممّا تحقّق على مستوى التعدديّة وهامش الحريّة غير المسبوق في تاريخ البلاد الذي تقرّ به التصنيفات السنويّة لمنظمة مراسلون بلا حدود، علاوة عن تأسيس مجلس الصحافة والدور التعديلي الذي لعبته هيئة الاتصال السمعي البصري.
وقد بدا من الواضح بعيد إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن التدابير الاستثنائية بروز حالة من الارتباك في التعاطي الإعلامي مع الوضع السياسي الجديد الذي فرضه تفعيل الفصل 80 من الدستور بالإضافة إلى صدور الأمر الرئاسي عدد 117. ارتباك حذّرت منه تقارير وحدة الرصد بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في النتائج المسجلة حول مسألة التوازن والتعدديّة في التغطيات الإعلامية، كما لفتت النظر اليه هياكل المهنة وفي مقدمتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين. إنّ التفكير في دور الإعلام التونسي في السياق الراهن المتسم بالتدابير الاستثنائية وحالة الانقسام المجتمعي والسياسي يفتح أبوابا أوسع للنقاش حول مستقبل هذا القطاع والمدونة التشريعية (المرسومان 115 و116) المنظمة له منذ سنة 2011. ففي الوقت الذي ينادي فيه أهل المهنة بضرورة الشروع في ورشة الإصلاح من أجل تلافي نقائص العشرية الماضية حتّى يكون الإعلام التونسي في مستوى المسؤولية الاجتماعية المناطة بعهدته كفاعل أساسي في المجال العمومي، تبدو المقاربات مختلفة في تقييم ما مضى واقتراح ما يجب القيام به من أجل ضمان الحريّات الصحفية وحقّ النفاذ إلى المعلومة وتكريس استقلالية وسائل الإعلام عن الصراعات السياسيّة حتّى تقوم بدورها كسلطة رابعة قائمة الذات.
هذا الجدل المهني والأكاديمي حول الإعلام التونسي بمختلف روافده لاسيما العمومي والخاص يأتي في سياق أزمة هيكلية مركبة يعاني منها القطاع الذي تكتنف علاقته بالجمهور التباسات عديدة تجلت خاصة في ضعف منسوب الثقة الذي أبرزته بعض عمليات سبر الآراء. من هذا المنطلق، تطرح هذه الندوة جملة من الإشكاليات الحارقة للنقاش حول دور الإعلام في زمن التدابير الاستثنائية التي فرضت خارطة طريق سياسية جديدة من المنتظر أن تؤدي إلى استفتاء شعبي وانتخابات تشريعية سابقة لأوانها في نهاية العام الحالي 2022.
سنة ستكون حبلى بالتحديات التي ستعترض مختلف الفاعلين في الحقل الإعلامي بين ماهو ظرفي وماهو استراتيجي . فهل يمكن الجزم بفشل الانتقال الإعلامي والتجربة التعديلية في تونس ؟ وأي مسؤولية للإعلام في تعثرات الانتقال الديمقراطي التي أدت إلى منعطف التدابير الاستثنائية؟ وهل من الموضوعي علميا ومعرفيا القول بأنّ الإعلام قد أفسد التجربة الديمقراطية بشكل لا يقل عن دور السياسيين والأحزاب السياسية؟ كيف يمكن تقييم تأثيرات التدابير الاستثنائية على الحياة الإعلامية خلال الأشهر الماضية ؟ وكيف ستكون علاقة رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوسائل الإعلام وهياكل المهنة في المرحلة القادمة في ظلّ الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها حاليا وفي خضم الانتقادات التي توجه لسياسته الإتصالية ؟ إلى أي حدّ تمثل الشعبوية خطرا على الحريات الصحفية و على وسائل الإعلام بوصفها تصنف في خانة الأجسام الوسيطة بين المجتمع والفاعلين السياسيين والمؤسّسات المنتخبة التي يعتبر الشعبويون أنّ دورها قد انتهى ؟ وهل يهدّد الوضع السياسي الراهن وجود الصحافة في حدّ ذاتها كسلطة رقابية ضديدة في ظلّ الأزمة الشاملة التي يعاني منها القطاع بحسب الخبراء المختصين وهياكل المهنة ؟ أي أفق لمطلب إصلاح الإعلام من أجل إرساء صحافة الجودة في خضم الوضع السياسي الاستثنائي الذي تمرّ به البلاد؟ وماهو الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام في المرحلة القادمة اتساقا مع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة على أجندة الدولة والمجتمع على حدّ سواء ؟